سبعة عشر عاماً على دك البيت الأبيض السوفيتي

أنا قتلت في البيت الأبيض *

ترحّموا علي 

المدرعات والدبابات

لم تبخل بالنيران

الحوامات هدرت

احترق البيت الأبيض

أصبح قبراْ أسود

للمعتصمين فيه 

أنا قتلت في البيت الأبيض

لا تشفقوا علي

الميت لا يشعر بالخزي

شرفي أنقذ

الذل والخزي والعار

من نصيب الأحياء

الذين يستجدون الصدقات

من الطغاة .

الخائن التاماني **

الذي أطلق علي النار

ويهوذا الريازاني

حتى آخر يوم

حتى النهاية سيعيشون

مسربلين بالعار

ولن يمحى الدم أبداْ

عن أيديهم 

أنا قتلت في البيت الأبيض

لعله قدري أن أسقط

مع الذين قاتلوا

من أجل سلطة السوفيتات 

من الأفضل لي أن أموت

هنا واقفاً مع العلم الأحمر

على الركوع أمام

العملاء الخونة 

* هذه القصيدة كتبها أحد المدافعين عن مبنى مجلس السوفييت الأعلى لروسيا الاتحادية (البرلمان الروسي) المعروف بـ"البيت الأبيض" بين أهالي موسكو في أحداث تشرين الأول- اوكتوبر 1993 ، وللأسف ظل اسمه مجهولاً، نشرتها صحيفة البرافدا آنذاك.

** الفرقتان التامانية والريازانية هما فرقتان مهمتان من القوات الخاصة في الجيش الروسي ساهمتا في قصف مبنى البرلمان الروسي بالمدافع ومن ثم تنظيفه من المدافعين عنه من المتطوعين خلال أحداث تشرين الأول- اوكتوبر 1993 .

تشرين الأول- اوكتوبر 1993 هو نقطة الفصل والتثبيت النهائي لسيطرة القوى المضادة للنظام السوفيتي التي انتصرت عام 1991، وكان الوضع خطيراً للغاية وعلى شفا حرب أهلية كما وصفه المراقبون آنذاك بتوتره بعد قرار الرئيس يلتسين حل مجلس السوفيت الأعلى لروسيا الاتحادية (أي البرلمان الروسي كما كان يسمّى آنذاك) ورفض قيادة المعارضة القرار وإعلان اعتصامهم في البيت الأبيض (مبنى البرلمان) بعد انضمام نائب الرئيس الروسي "ألكسندر روتسكوي" اليهم مع مجموعة من المتطوعين التي زحفت للدفاع عن البرلمان من كافة أصقاع روسيا.

كان المشهد يذكرك بما كتبه جون ريد في "عشرة أيام هزت العالم "، متاريس وناس على الجانبين، متطوعون من كافة الأعمار جاؤوا من أطراف روسيا الأربع يفترشون الأرض والخيام أمام البيت الأبيض، نساء موسكوفيات يحملن لهم البطانيات والسكاير وبعض الأطعمة، خليط عجيب من الأفكار والاتجاهات والرايات، رجال دين وراهبات روس أرتودوكس برايات حمراء عليها صورة المسيح! وبوذيون بطبول وأجراس، وشيوعيون برايات حمراء  وفوضويون برايات سوداء وقيثارات، وقوميون روس برايات القيصرية وصور القديسين وكل ذلك يعود بنا الى ينابيع الأصالة في روسيا العظيمة، روسيا بوشكين وتولستوي وليرمنتوف وتشيخوف ولينين..

اننا اليوم ورغم انهيار التجربة السوفيتية بأفقها الستاليني، نستنهض تجربة المقاومة الشعبية في الدفاع عن البيت الأبيض السوفيتي في تشرين الأول- اوكتوبر 1993 ونحاول أن نضعها في مكانها المناسب من تجارب الشعوب في ساحة النزال ضد التعنت والظلم، وهي تتلمس خطواتها إلى مجتمع أكثرعدلاً وديمقراطية..                      
إنّ روسيا الحـرة باقية كما كانت، بل وأفضل مما كانت وهي تنبعث الآن من تحت الرماد!...